لِنَعُدْ إلى مثال الكرة، فأنا أريد أن أقيس زمن التغيير الذي طرأ عليها (أي توقُّفها عن الحركة) بمقياس آخر، هو "قلبي النابض". وبحسب هذا المقياس، اسْتَغْرَق هذا التغيير زمناً مقداره 60 نبضة. وعليه، يُمْكنني أن اتَّخِذَ من "قلبي النابض" ساعة أخرى أقيس بها زمن التغيير.
وفي الطبيعة أنماط كثيرة من الساعات، فكل شيء يَعْرِف "تغييراً منتظَماً" يُمْكِن اتِّخاذه ساعةً نقيس بها الزمن الذي يستغرقه التغيير في سائر الأشياء. و"مقياس الزمن" إنَّما هو أن يُقاس معدَّل التغيُّر في جسم ما (كمعدَّل نبضات قلب إنسان حي) نِسْبَةً إلى "تغيُّر منتظَم" في جسم آخر (دقَّات الساعة مثلاً). ولو أنَّ نَبْض قلبي يتسارَع تارةً، ويتباطأ طوراً، لَمَا اسْتَطَعْتُ أن اتَّخِذ منه ساعة، فـ "الساعة" يجب أن تكون "تغييراً منتظَماً".
أمْعِنْ النظر في "الزمان"، فتَجِد أنَّه كل تغيير تُرْجِم بتغيير في "المكان"، الذي له ثلاثة أبعاد، فـ "الدقيقة الواحدة"، وفي معنى من معانيها المكانية، إنَّما هي مسافة معيَّنة يقطعها كوكب الأرض في دورانه حَوْل الشمس. و"القلب النابض" إنَّما هو القلب المخْتَلِف "حجماً".
إنَّ "الفَرْق في الزمان" هو الوجه الآخر لـ "الفَرْق في المكان"، فليس من "فَرْق في الزمان" لا يَقْتَرِن بفَرْق في "الطول"، أو "العرض"، أو "الارتفاع"، أو الحجم، أو "المسافة"، أي بـ "فَرْق في المكان". وليس من فَرْق في المكان والزمان لا يُنْتِجه "تغيير آخر" يعتري الشيء.
وأنتَ لو سُئِلْت: "ما هي الثانية (أو الدقيقة، أو الساعة، أو اليوم، أو الأسبوع، أو الشهر، أو السنة)؟"، لأجَبْت بما يؤكِّد ويُثْبِت اشتمال مفردات الزمان على المكان.
كوكب الأرض إنَّما هو جزء من هذا الكل الكوني، يتبادل وإيَّاه التأثير الفيزيائي دائماً. و"التأثير الفيزيائي" إنَّما هو نوع معيَّن (أو أنواع معيَّنة) من "المادة"، ينتقل في الفضاء، بسرعة معيَّنة، من شيء إلى شيء، أو من جسم إلى جسم.
وثمَّة جسيمات، تشبه "العربات"، تَحْمِل "التأثير الفيزيائي"، من جسم إلى جسم، عبر الفضاء، فما أنْ تُفْرِغ تلك الجسيمات حمولتها في جسم معيَّن حتى تتفاعل تلك "الحمولة (من المادة)" مع هذا الجسم، فيطرأ عليه، بالتالي، تغيير معيَّن.
ولهذه الجسيمات الحاملة، والناقلة، لـ "التأثير الفيزيائي"، سرعةً معيَّنة (في الفضاء) تَعْدِل، ولا يُمْكِن أن تتخطى، "سرعة الضوء"، التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية.
وعليه، يمكن ويجب النظر إلى "حاضرنا" في الكرة الأرضية على أنَّه محكوم تماماً بـ "ماضينا الكوني"، فذلك الجسم الكوني أثَّر الآن في الكرة الأرضية، أي في حاضرنا؛ ولكنَّ تأثيره هذا هو جزء من ماضينا الكوني، فلقد انطلق تأثيره هذا نحونا قبل 100 مليون سنة مثلاً. إنَّ حاضر كوكب الأرض هو ثمرة تفاعُل هذا الكوكب مع ما وصل إليه من تأثيرات كونية مختلفة هي جزء من ماضي الكون القريب أو البعيد، فـ "الآن" لا وجود لها إلاَّ في عالمي الصغير (في الأرض، أو في جزء منها فحسب).
وكل ما نراه في السماء، أو الفضاء، من أجسام إنَّما هو "صورته في ماضيه" التي وصلت إلى عيوننا "الآن"، والتي استغرق وصولها دقائق، أو ساعات، أو سنوات، أو ملايين السنين. وهذه "الصورة" يمكن وصفها بأنَّها "الصورة المؤثِّرة"؛ فَمِنْ خلالها نرى "الأصل"، أي الجسم الكوني، في ماضيه (الذي يُقاس، وبحسب "الساعة الأرضية"، بالثواني، أو الدقائق، أو الساعات، أو السنين، .. إلخ). وفيها يُحْمَل "التأثير الفيزيائي" في حاضر كوكبنا الأرضي.
وليس من حادِث في الكون إلاَّ ويَظْهَر للمراقبين الكونيين جميعاً على أنَّه "اجتماع اللحظات الزمنية الثلاث،أي الحاضر، والماضي، والمستقبل"، فانفجار النجم X إنَّما هو حَدَثٌ وَقَع الآن بالنسبة إليَّ أنا الذي أعيش على كوكب الأرض، ووقَعَ في الماضي بالنسبة إليكَ أنتَ الذي على مقربة منه، وسيقع مستقبلاً بالنسبة إلى مراقِب كوني ثالث لم تصله حتى الآن صورة الحَدَث . إنَّ "الضوء" هو "المصوِّر"، و"الصورة"، و"ناقِل الصورة"، معاً.
حتى الزمن الذي يستغرقه حدوث الحدث يختلف مقداراً؛ لأنَّ الحدث يحدث في "موضع متحرِّك". تخيَّل أنَّكَ تراقِب من على سطح الأرض مركبة فضائية تسير في الفضاء البعيد، مبتعدةً عنكَ، بسرعة كبيرة. وتخيَّل أنَّ أحد المسافرين على متنها أشعل سيجارة، وشرع يدخنها. لقد بدأ هذا الحدث (تدخين السيجارة) والمركبة تبعد عنكَ بُعْداً معيَّناً؛ ولكنَّ المدخِّن ما أن انتهى من تدخين سيجارته (التي استغرق تدخينها مقداراً معيَّناً من الزمن لا تتَّفِق أنتَ وهو على تعيينه) حتى أصبحت المركبة (المتحرِّكة بعيداً عنكَ) تَبْعُد أكثر. وهذا الفرق في المسافة الفضائية بين بداية الحدث ونهايته لا بد له من أن يُتَرْجَم بفرق في الزمن الذي استغرقه حدوث الحدث، فالضوء الذي يَحْمِل صورة الحدث، والذي على سرعته التي لا تَعْدلها سرعة أخرى في الكون، إنَّما يسير بسرعة محدودة، مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية.
"الزمن" يسير، في كل مكان من الكون، في اتِّجاه واحد فحسب.. "إلى الأمام"، أي "من الماضي إلى المستقبل". إنَّه يسير في "خطٍّ مستقيم"، فلا انحناء في مساره؛ وليس ممكناً، بالتالي، أن يسير في خطٍّ دائري، فيعود الشيء في تطوُّره إلى ماضيه، أي إلى ما كان عليه في ماضيه، كأن يعود هذا المُسنِّ جنيناً في رَحْم أُمِّه!
ويُخْطئ من يَسْتَنْتِج من نظرية آينشتاين في "الزمن" أنَّ الزمن يمكن في ظروف فيزيائية كونية معيَّنة أن يسير في اتِّجاه معاكِس، أي "من المستقبل إلى الماضي"، فليس من تطوُّر في الكون يُسْتَنْسَخُ فيه الماضي. حتى في الجدل الهيجلي أو الماركسي لا يُمْكِن فَهْم "نفي النفي" على أنَّه استنساخٌ لماضي الشيء، أو عودة إلى ماضيه، فالماضي، على أهمية تأثيره في حاضر ومستقبل الشيء، لا يُمْكِن أبداً أن يُبْعث حيَّاً.
"السَفَر"، الذي نَعْرِف إنَّما هو "السفر في المكان"، أي الانتقال من موضع إلى موضع. وكل سَفَرٍ في المكان لا بدَّ له من أن يستغرق زمناً، يطول أو يَقْصُر، وِفْقاً لـ "السرعة"، فأنتَ، مشياً على قدميكَ، تجتاز المسافة بين منزلك ومكان عملك في زمن مقداره 15 دقيقة مثلاً؛ أمَّا في السيَّارة، التي تسير بسرعة أكبر، فإنَّكَ تجتاز المسافة ذاتها في زمن مقداره 5 دقائق مثلاً. إنَّ كل سَفَرٍ، أي كل انتقال في المكان، يجب أن يستغرق زمنا، أي يجب أن يقترن بانتقال في الزمان.
ولكن، ثمَّة سَفَرٌ لم نَعْرفه حتى الآن، هو "السَفَر في الزمان"، الذي لا بدَّ لـ "الحاضر" من أن يكون نقطة انطلاقه. أمَّا وِجْهَة هذا السفر فهي إمَّا أن تكون "المستقبل"، وإمَّا أن تكون "الماضي".
نظرياً، واستناداً إلى تجارب فيزيائية أيضاً، يمكن "السفر إلى المستقبل"، أي "من الحاضر إلى المستقبل"؛ أمَّا "السفر إلى الماضي" فهو، وبحسب النظرية النسبية، المستحيل بعينه؛ ذلك لأنَّ سرعة الضوء هي السرعة الكونية القصوى أو العظمى، فإذا أردتَ السفر إلى الماضي فإنَّ عليكَ، بحسب بعض التصوُّرات والنظريات الفيزيائية، أن تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء.
وحتى لا نهبط بتفكيرنا من "الفيزياء" إلى الدرك الأسفل من "الميتافيزياء"، في هذا الأمر، لا بدَّ لنا من أن نستمسك (حتى في خيالنا الفيزيائي) دائماً بالحقيقة الفيزيائية الكبرى، وهي أنَّ "السرعة فوق الضوئية" مستحيلة. ومن هذه الحقيقة تتفرَّع حقيقة فيزيائية أخرى على درجة عالية من الأهمية، هي أنَّ "السفر إلى الماضي" مستحيل هو أيضاً. نقول بذلك مع أنَّنا لا نميل إلى تصديق أنَّ "السفر إلى الماضي" هو العاقبة الحتمية للسير بسرعة فوق ضوئية.
وهناك من الفيزيائيين من يعتقد بوجود وسيلة أُخرى للسفر إلى الماضي، هي "المسار (المنحني) المُغْلَق"، والذي يمكن أن يكون حقيقة واقعة في داخل ذلك الجسم الكوني المسمَّى "الثقب الأسود". إنَّ كل مادة في داخل هذا الجسم لا يُمْكنها أبداً أن تغادره إلى "الفضاء الخارجي". حتى الضوء الذي يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (= السرعة القصوى في الكون أو الطبيعة) ليس في مقدوره أن يغادر هذا الجسم الكوني. وهذا إنَّما يعني أنَّ جسيماً عديم الكتلة هو "الفوتون" يعود دائماً إلى نقطة انطلاقه، فلا يتمكَّن أبداً من الإفلات من قبضة "الثقب الأسود".
إذا كان في مقدوركَ أن ترى تلك "المادة"، أي الضوء، أو "الفوتون"، وهي تحاول أن تغادر "الثقب الأسود" إلى "الفضاء الخارجي"، فسوف تراها (وهي التي تسير في الفضاء الذي نَعْرِف بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) تسير في محيط دائرة، قُطْرها يقلُّ طولاً عن طول المسافة بين مركز "الثقب الأسود" وسطحه. وهذا المسار لم "تَخْتَره" هي؛ بل فُرِض عليها فَرْضاً.
إنَّها، أي تلك المادة، أو الضوء، ما أن تنطلق في مسارها الدائري الصغير المُغْلَق حتى تعود، حتماً، إلى النقطة التي منها انطلقت. وعودتها الحتمية إلى المكان ذاته هي ما حَمَلَت أولئك الفيزيائيين على الاعتقاد بأنَّ تلك المادة يجب أن تعود إلى "الماضي"، فهي لا يمكنها أن تعود إلى "نقطة البدء في المكان"، من غير أن تعود، أيضاً، إلى "نقطة البدء في الزمان"، أي إلى "الماضي"، فـ "المسار (المنحني) المُغْلَق" إنَّما هو مسارٌ في "المكان" و"الزمان" معاً، أي في "الزمان ـ المكان"، أو "الزمكان". ولو كنتَ أنتَ هذا "الفوتون" لرأيْتَ أنَّكَ تسير، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، في داخل "الثقب الأسود"، صعوداً، في "خطٍّ مستقيم"، ولرأيْتَ، بعد مُضي زمن معيَّن، مُقاسٌ مقداره بحسب ساعتكَ، أنَّكَ قد عُدَّتَ إلى النقطة التي منها انطلقت. وبالنسبة إليكَ ليس من فضاء آخر غير هذا الفضاء الذي تسير فيه؛ أمَّا أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الأرض فأرى أنَّكَ تسير في خطٍّ دائري ضِمْن فضاء لا يُمْكِنكَ أبداً مغادرته، مع أنَّني أرى، في الوقت نفسه، أنَّ فضاءكَ هذا هو جزء من الفضاء الكوني. إنَّكَ في سيركَ هذا إنَّما تشبه شخصاً يسير بسرعة ثابتة ضِمْن نَفَق دائري مُغْلَق، مع فارِق أنَّكَ لا تُدْرِك أنَّكَ تسير في خطٍّ دائري، مثلكَ مثلُ هذا الذي يسير في خطٍّ مستقيم في موازاة خطِّ الاستواء الأرضي.
وعليه، يؤدِّي السير بسرعة فوق ضوئية، أو في مكان بلغ غاية الانحناء، إلى "العودة إلى الماضي"، على ما يزعمون. وهذا الزعم لا يمكن أن يكون له من صاحب إلاَّ هذا الذي تطرَّف ميتافيزيائياً في فهم الفيزياء، ضارِباً صفحاً عن صرخة التحذير التي أطلقها نيوتن إذا قال: "أيَّتها الفيزياء احترسي من الميتافيزياء!".
قُلْنا إنَّ لكل تغيير سرعته (العادية الطبيعية) فالمرأة، مثلاً، تضع مولودها بعد 9 أشهر من الحَمْل.. ليس بعد 9 أيَّام، أو 9 سنوات، من الحَمْل. قد تضعه بعد 7 أشهر. على أنَّ هذا لا ينفي، وإنَّما يؤكِّد، أنَّ السرعة العادية الطبيعية لهذا التغيير"، أي "الولادة"، هي 9 أشهر.
وأنتَ، ينبضُ قلبكَ نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، فالفاصِل الزمني بين نبضة ونبضة يقلُّ عن ثانية واحدة، وليس ممكناً أن يزيد، مثلاً، عن 10 ساعات، فالسرعة العادية الطبيعية لنبض قلبكَ تظل 70 نبضة في الدقيقة الواحدة.
وأنتَ تَغْلي لتراً من الماء في زمن مقداره 10 دقائق مثلاً؛ وليس ممكناً أن تغليه في زمن مقداره 10 سنواتٍ مثلاً.
هذا الذي قُلْنا في كل تلك الأمثلة لا يمكن فهمه والنظر إليه على أنَّه "الحقيقة الزمنية المطلقة"؛ ذلك لأنَّ للزمن سرعة، تزيد أو تقل، بحسب أحد عامِلَيْن: "السرعة"، أو "الجاذبية".
لو أنَّكَ سافرتَ في مركبة فضائية تزايدت سرعتها شيئاً فشيئاً حتى بلغت سرعة تقارِب سرعة الضوء فإنَّكَ لن ترى أيَّ اختلاف في سرعة نبض قلبكَ، فها أنتَ تَنْظُر إلى ساعتكَ، وتحسب عدد دقَّات قلبكَ في الدقيقة الواحدة، فتتأكَّد أنَّها لم تَزِدْ، ولم تَنْقُص، فقلبكَ ظلَّ ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ).
ولو أنَّ مارِداً كونياً انْتَزَعَكَ من مكانِكَ على الأرض ووضَعَكَ في كوكب، كتلته (أي جاذبيته) أكبر من كتلة كوكب الأرض بألف مرَّة مثلاً، فإنَّ قلبكَ يظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ).
أمَّا أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الأرض فلن أرى ما ترى. في المثال الأوَّل (سَفَرُكَ في المركبة الفضائية) أرى، على سبيل المثال، أنَّ قلبكَ ينبض 7 نبضات فقط في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا). وفي المثال الثاني (نَقْلُكَ إلى ذلك الكوكب) أرى، على سبيل المثال، أنَّ قلبكَ ينبض 20 نبضة فقط في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا). ولو وَضَعَكَ ذلك المارد في كوكب تقلُّ كتلته عن كتلة كوكب الأرض بنحو 10 مرَّات مثلاً، لرأيْتَ أنتَ أنَّ قلبكَ ظلَّ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) ولرأيْتُ أنا أنَّ قلبكَ ينبض 100 نبضة (على سبيل المثال) في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا).
إنَّ قلبكَ يظلُّ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) في كل موضع في الكون تكون فيه، ومهما كانت سرعة (أو تسارُع) هذا الموضع، أو جاذبيته.
من ذلك نرى أنَّ "الفاصِل الزمني (أو "المسافة الزمنية")" بين حادثين (بين نبضة ونبضة من نبضات قلبكَ مثلاً) يتمدَّد (يَكْبُر، يتَّسِع، يزيد) بحسب ساعتي أنا الذي أُراقبكَ من "إطار مرجعي آخر"، من على سطح الأرض مثلاً. وهذا إنَّما يَحْدُث إذا كنتَ أنتَ (بحسب "النسبية الخاصة") في جسم تسارَع حتى قارَبَت سرعته سرعة الضوء، أو (بحسب "النسبية العامَّة") إذا كنتَ في جسم كوني عظيم الكتلة، أي أعظم من كوكب الأرض كتلةً، وجاذبيةً بالتالي. إنَّ "الجاذبية" تُنْتِج تباطؤاً في حركة الزمن، فالزمن في المشتري، أو الشمس، يسير أبطأ من الزمن في الأرض.
كلما زادت سرعة المركبة الفضائية قلَّ معدَّل نبضات قلب الإنسان الذي في تلك المركبة بالنسبة إلى المراقب الأرضي، فهذا المراقب يرى أن قلب ذلك الرجل ينبض 30 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعة المراقب الأرضي) ثم يراه (بعدما زادت سرعة المركبة الفضائية) ينبض 10 نبضات في الدقيقة الواحدة. أما بالنسبة إلى ذلك الرجل، أي بالنسبة إلى ساعته، فإنَّ قلبه يظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة.
وهذا إنَّما يعني أنَّ "التسارُع" هو الذي يتسبَّب (في هذا المثال) في إبطاء حركة عقارب الساعة، في تلك المركبة، فمع كل زيادة في سرعتها، أي مع كل تسارُع لها، يقل معدَّل نبض قلب المسافِر على متنها، بالنسبة إلى المراقِب الأرضي (وساعته). وعلى هذا المثال قِسْ.
دعونا الآن، ومن أجل مزيدٍ من الوضوح، نتطرَّف في القياس على هذا المثال، أو على تلك الأمثلة، فنتخيَّل امرأة حامِل (في الشهر الثالث من حَمْلِها مثلاً) انطلقت من الأرض بمركبة فضائية، تسارَعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء، ثمَّ عادت إلى الأرض، وقد استغرقت رحلتها الفضائية، ذهاباً وإياباً، ستَّة أشهر، بحسب ساعتها هي. لقد وَضَعَت مولودها ما أن وصلت إلى الأرض. إنَّ عُمْر هذه المرأة قد زاد ستَّة أشهر فحسب.
إذا سأَلَتْ هذه المرأة، عند عودتها، عن زوجها، فسوف يُخْبِرونها، عندئذٍ، أنَّ زوجها قد مات منذ مئات، أو آلاف، أو ملايين، السنين!
إنَّ الشيء، أي كل شيء، يتغيَّر ويتطوَّر بحسب الزمن الخاص به، أي بحسب ساعته هو. من وجهة نظر الشيء نفسه، أو بحسب ساعته هو، لن تختلف سرعة هذا التغيير (أو ذاك) الذي يعتريه مهما كانت سرعة الموضع الكوني الذي يُوْجَدُ فيه هذا الشيء، أو جاذبيته. من وجهة نظر مراقِب خارجي ما، أو بحسب ساعة هذا المراقِب، تختلف سرعة التغيير في ذلك الشيء.
التغيير في الشيء لن يقع قبل أن يستوفي شروط وقوعه، فهذا المقدار من الماء (السائل) لن يتحوَّل كله إلى جليد قبل أن يستوفي شروطا معيَّنة. وهذا "الاستيفاء" لا بدَّ له من أن يستغرق زمناً، قد يطول أو يَقْصُر، بحسب بيئة الشيء وظروف وجوده، فإذا طال الزمن الذي يستغرقه التغيير قُلْنا إنَّ هذا التغيير يتَّسِم بالبطء، وإذا قَصُر قُلْنا إنَّه يتَّسِم بالسرعة.
لِنَفْتَرِض أنَّ هذا المقدار من الماء (السائل) قد تحوَّل كله إلى جليد في زمن (أرضي) مقداره 30 دقيقة. لو كنَّا في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء، وأتَيْنا بمقدار مماثِل من الماء (السائل) محاولين تجميده كله، بعدما هيَّأنا لهذا التغيير الشروط ذاتها، فإنَّ تجميد هذا الماء كاملاً سيستغرق الزمن ذاته، أي 30 دقيقة بحسب ساعة المركبة.
وغنيٌ عن البيان أنَّ إحداث هذا التغيير مشروط ببقاء هذا الماء، أو هذا العنصر أو ذاك من عناصر التجربة، محتفظاً بوجوده وهويته في هذه البيئة الجديدة (المركبة بسرعتها تلك) فثمَّة أشياء نَخْتَبِر ما يعتريها من تغيير في ظروف وجودها الأرضية (أي على كوكب الأرض) ولكنَّ هذه الأشياء لا تظل محتفظةً بوجودها، أو بخواصِّها التي نَعْرِف، في بيئة فيزيائية كونية أُخرى (في نجم، أو في تلك المركبة، مثلاً).
أنتَ الذي تراقِب تلك التجربة من على سطح الأرض سترى أنَّ تحوَّل هذا المقدار من الماء (السائل) إلى جليد لم يستغرق 30 دقيقة، وإنَّما 30 سنة (مثلاً) بحسب ساعتكَ، فتقول، بالتالي، إنَّ التغيير هناك، أي في تلك المركبة، يَحْدُث في بطء شديد. وستقول الشيء نفسه لو أنَّ تلك التجربة أُجْرِيَت في كوكب كتلته أكبر من كتلة كوكب الأرض بألف مرَّة مثلاً، فـ "التسارُع (وصولاً إلى سرعة تقارِب سرعة الضوء)" و"الجاذبية (الشديدة)" يُنْتِجان الظاهرة ذاتها.. ظاهرة "بطء (سير) الزمن".